التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مسرحية النسر يسترد اجنحته

 صحيفة مداميك الإلكترونية 

أجنحة كثيرة يستردها نسر (وليد الألفي) الإيحائي:

مغيرة حربيَّة


يستخدم المخرج وليد الألفي، حيلاً ميثولجية صغيرة ولكن مركزة، وطقوسا تقليدية بسيطة ولكن فاعلة، لخدمة عرضه المسرحي المبهر “النسر يسترد أجنحته”، الذي عرض بمسرح قاعة الصداقة (الاثنين) 12 يوليو، فمن رمزية أصوات البحر والمياه التي تذكرك بفلك نوح ورحلة جلجامش في عبوره لبحر الأموات، إلى طقوس الحناء في السياق الشعبي والأغنيات والرقصات التي تحتفي تمجيداً وتوكيداً للحياة، يُركب الألفي مشاهد عرضه المسرحي الأخاذ من لوحات متتابعة لا تنفصل، ومتعاضدة، في الأوان نفسه، كأنها لحمة واحدة، لتبني حوارها الملحمي المسرود، عبر لغة الجسد، بتشكيلاتها البصرية والحركية ومن موتيفات الضوء والصمت والموسيقى، لتنفُضَ الموتَ عن شخوصه/تماثيله المحنطة والمعزولة في برزخِ المرسَم المُعتم؛ والتي بدورها ما إن تدبَّ الحياة في أبدانها حتى تشرع في إيقاظ مومياء عروس الميلاد التي لا يوقظها الا العزف على الناي، وما أن تصحو وتنهض حتى تمنح، بعودتها للحياة، الخلاص والعبور للجميع.

يقول المخرج شكر الله خلف الله لـ (مداميك): “تأتي متعة العرض برغبة تحدي الظروف بالغة التعقيد، لإنتاج محتوي بصري مدهش وجريء”.

ويرى خلف الله أن المخرج وليد الألفي صنع عرضاً يتيح المتعة ويمنح التفكير، واستطاع قيادة فريق العمل بجماعية وانسجام، موظفاً أمزجةً وجيالاً مختلفة، والسير بها حتى لحظة العرض الأساسية.ويرى الناقد عبد القادر اسماعيل أن عرض “النسر يسترد أجنحته”، مميز وممتع، تشارك في صناعة تميزه أداء الممثلين الرائع، والموسيقى المستخدمة، والصورة المشهدية التي استطاع المخرج أن يصنع من خلالها لوحات جمالية بديعة، من لوحة الافتتاح وحتى لوحة الختام، ليقدم للجمهور صوراً غاية البهاء والإبهار، استخدم فيها المخرج مواد وأدوات بسيطة بطريقة خلاقة.


يضيف لـ (مداميك): “موسيقى العرض إحدى أهم سمات أصالة العرض وشكلت جزءاً كبيراً من إمتاع الجمهور”. يواصل: “عمل على صناعة هذا العرض وأدائه مجموعة من الممثلين والممثلات الذين استطاعوا أن يقدموا عرضاً مميزاً”.

ويكشف الصنايعي الهادي الشواف، أن العرض هو مزيج من فن (البانتو مايم) والغناء والموسيقى والرقص المعاصر والسرد القصصي، ومن جماع تجارب إنسانية. يقول لـ (مداميك): “يحاول العرض أن يلعب على لوحات مشهدية متعددة الدلالات من خلال التشكيل بأجساد الممثلين والقماش وهندسة المكان لبناء صورة مشهدية معبرة، بالاستفادة من المخزون الكبير للتراث والفلكلور وجماليات البناء والمعمار في الحياة السودانية، بالإضافة إلى توظيف الموسيقى والرقص والإيقاعات، وتقنيات فن (البانتو مايم) وخطوات وحركات ديناميكية الإيقاع مصممة هندسياً، ويستهدف توصيل مقولة العرض وتدعيم الحكايات الأساسية مع توظيف الإضاءة واللعب على دلالات الألوان، لتجسيد قيم وانفاعلات وأحاسيس ومشاعر إنسانية تعبر عن الحنين والشجن”.


ينفتح المسرح على مشهد الصمت والسكون والعتمة، كل شيء مفتوح على التأويل من الوهلة الأولى، فالشخوص هامدة لا تتحرك، توحي بجوف مقبرة سحيقة، الدفن وقوفاً، على طريقة الحضارات السودانية القديمة، أو أن الحياة توقفت، فجأة، وهم على هذه الهيئة وعليهم أن يخوضوا مغامرة العودة من هذا البرزخ باتباع طقوس الموت والحياة معاً.


وما إن تدب الحياة ببطء، في الأبدان/التماثيل حتى نكتشف أن حيوات شخوص العرض توقفت في أعمار صغيرة نسبياً، صبيات وصبيان، شباب وشابات في مقتبل الحياة، جمدت حياتهم في زمن ما (هل هو زمن الديكتاتورية؟). وسرعان ما يشرعون في مقاومة هذا الجمود واسترداد حقهم في الحياة والحركة باستعادة ماضيهم وتذكر ما حدث عبر آلية الحلم/التأمل، واستخدام الموسيقى والرقص والإنشاد الديني المتصوف، واسترجاع حكايات مقتضبة عاشوها بين سيرورتي الميلاد الذي لم يبدأ والموت الذي لم يكتمل وصيرورة الحياة الناقصة. 


ويرى شكر الله خلف الله أن ثورة التغيير أتاحت منابر بحرية أوسع ومناخات رحبة للفنون والجمهور سواء بسواء، للتعبير ونقل الكلمة نحو فضاءات الحرية والانعتاق، “ذلك ما مثلته رمزية النسر في عرض الألفي من حركة وإيقاع واللعب بالضوء، لقد جاءت اللوحات منسجمة لتقول بأن استرداد الأجنحة خطوة مهمة وحاضرة، لتحلق الأجيال القادمة بنسر مكتمل الأجنحة”. ويتساءل: “هل من الممكن أن يسترد الجمال جناحيه كما فعل النسر؟”.


ويحكي العرض بالنسبة للهادي الشواف، قصة نحات انقطع عن النحت وترك منحوتاته لمصيرها المحتوم مع تقلبات الطبيعة حتى تحول مكان النحت لمكب نفيات من قوارير البلاستيك المختلفة. يضيف الهادي: “تعبر المنحوتات عن شخصيات تنتمي لبيئات السودان المختلفة، ولمهن هامشية، لم تستسلم لمصيرها فسرعان ما بدأت تتحرك لتحكي كل واحدة منها حكاياتها المختلفة، حول الألم والنزوح والحرب والثأر والقتل المجاني، مقرونة مع رحلة طويلة تحاكي السرديات الكبرى التي تعبر عن التحولات العظمى التي أثرت في تشكيل الوعي الجمعي للشعب السوداني من الدويلات القديمة والممالك والتصوف. باختصار – يقول الهادي – يناقش العرض الأخلاق والظلم والقبح والتخلف والحلم والتحرر.


يمنح المكان في عرض “النسر يسترد أجنحته”، شأنه شأن كل نص ناضج وكبير، أكثر من دلالة وتأويل، فهو من جهة الجمالي يتيح قراءات متعددة لا تنفد، فالمكان هنا مندغم في الزمن الصفري المجمد، برزخ/مقبرة في جوف هرم/معبد قديم/مرسم لنحات مجهول. ومن جهة الاجتماعي والسياسي يرمز للشمولية وزمن الديكتاتورية وتعطيل حركة التاريخ، ولا ينقذ كل ذلك سوى المحاولة الدؤوبة، والمغامرة الجمالية لاسترداد الحياة والحركة واستراد التاريخ، أي الثورة ولا شيء خارج الثورة. 

يقول الناقد عبد القادر اسماعيل إن عرض “النسر يسترد أجنحته” عرض يحتمل موضوعه بلوحاته المتعددة، الكثير من التأويلات، ويفتح ذهن المشاهد على تساؤلات واحتمالات عدة. ويرى أن العرض الجيد في مناخات من الحريات أوسع يجتذب حضوراً كبيراً، في يسر ودون جهود إعلامية كبيرة، مثلما حصل للعرض الثاني للمسرحية بمسرح قاعة الصداقة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وليد الألفي.. رؤية في المسرح السياسي السوداني

  في عرضه "كرّاس حساب"، يتناول الكاتب و المخرج المسرحي   السوداني وليد الألفي   الانتفاضة الشعبية   التي اندلعت في بلاده في كانون الأول/ ديسمبر عام 2018، من خلال إضاءة جانب من تداعياتها متعلّق بمناقشة أزمة الحكم في ظلّ الحكومة الانتقالية ونموذج  العدالة الانتقالية   في السودان والنظر في الانتهاكات الجسيمة التي تعرّض إليها المتظاهرون. يلجأ العمل الذي تُعرض نسخته المحدّثة عند التاسعة وتسع دقائق من مساء اليوم الأحد في "مركز أم درمان الثقافي"، إلى الموسيقى الغنائية والرقص المعاصر المستوحيين من التراث السوداني، ويقدّم بالتعاون بين "تجمّع التشكيليين السودانيين"، و"منطقة صناعة العرض المسرحي" في ختام "معرض الثورة السودانية". وتستند "كرّاس حساب" إلى ورشة مسرحية أقيمت في ساحة الاعتصام أيّام الثورة، وكان الهدف منها استخدام المسرح كوسيط علاجي للناجين من العنف الذي وُوجهت به التظاهرات (من اعتقال وتعذيب وإساءة لفظية وتحرش جنسي) وكانت آخر بروفة قبل فضّ اعتصام قيادة الجيش بساعات. ثقافة آداب وفنون وليد الألفي.. رؤية في المسرح السياسي السوداني
من ذاكرة المنطقة الصنايعية (كايليك - أهل الكهف) - مارس 2008م
رؤية مسرحية أهل الكهف   وليد عمر الألفى خريف   نيالا 2007   الأهداء.. للذي يتأمر مع نقارة اب قزة ، ضد أحزان تلك الأمكنة .. حينما يدنقر ويبتل ظله بعرق الراقصين .. الى روح الفنان الشعبي أبا حلو واليك حينما كنت تقف أمامها .. تتأملها،   تتغزل فيها.. تبتسم لك ، تمسك معصمها ، وتذهب بها الى بيت فى الحاج يوسف .. ترقصا طول الليل .. تحتضنا بعضكما .. تسترخى هى على سريرك لينتصب وعيك ، حينها تغزف أفكارا لتنجب هى مستورة ، عجلة جادين الترزي ، الحله القامت هسه ود الجردقو ورائعات كن قادمات لو لم تقادر تلك الغرفة وتقادرك تلك الخشبة وهى حزينة فى ثوب الحداد اليك أيها الفنان الذي لايشبه الا نفسه (مجدي النور) وليد عمر الألفى الأسطورة : يخبرنا القرآن الكريم بأن هنالك سلطان ظالم لايقهر وكان يعامل شعبه معاملة غير كريمة ، يقتل من يشاء يسجن من يشاء وينفى .. وكان هنالك شباب لم يستطيعوا تحمل هذا الظلم ، ففروا هاربين ليحتموا بكهف ، وكان معهم كلبهم فناموا جميعا ، وعندما أستيغظوا وجدوا أنفسهم فى زمان غير زمان السلطان الظالم .. يفرحون لأن السلطان الحالى حكيم وعادل . كما يخبرنا التاريخ