التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عرض لبن العشر نستالوجيا المكان

كتب/ ابو طالب محمد
       
قدمت يوم الثلاثاء الموافق 2017/5/15م، بمسرح الفنون الشعبية منطقة صناعة العرض عرضآ مسرحيآ بمسمى لبن العشر للصنايعي وليد اﻷلفي.  عرض لبن العشر من العروض المسرحية التي تطرح تساؤلآ كبيرآ، لواقع ظل ملتبسآ، وبحث من خلال أمكنته لجزور مشكل ظلت عالقة في اﻷذهان ومرتبطة بالهجرة .وعليه لعب العرض في طرحه على زوايا متعددة، أهمها حضور العنصر السردي، لأن السرد في العرض له متطلباته الاسترجاعية في بنيته- بدءآ من استعادة الشخصيات لأحداث ماضيها النستولوجي، حيث نجدها تعكس دورآ عبر رواة  محاصرين بماضي لاتستطيع الفكاك منه، ويتسرب هذا الماضي عبر حضور أمكنة تريد الشخصيات لحظتئذ استبداله بأمكنة أخرى، وفي ذات اللحظة تواجه حالة من التوهان والضياع التام.      يتمثل عنصر السرد  في المنولوج  الآتي:(تبدأ الهجرة الأولى من الريف إلى المدينة التي تبني قصورآ حالمآ عنها قبل الوصول إليها، ولكننا حينما نصلها نكتشف أنها عاجزة عن تحقيق رغباتنا وطموحاتنا، وبالتالي نسعى للبحث عن أماكن  أخرى بعيدآ عن الوطن الأم، وهذه المدينة نفكر في الذهاب بعيدآ إلى أوربا عبر البحر، وفي منتصف البحر تتبخر كل أحلامنا ونغرق قبل الوصول إليها إلى وجهتنا الأولى والأخيرة)، الحاضر والماضي متلازمان في مشهدية العرض الذي سرد منولوجه حكاية عن المسافة التي تجعل الماضي يؤطر لحالة من الطمأنينة مضت ويخضع لزمن الحاضر المثقل بهول الغرق والموت المفاجئى ومشوار البحث المهلك من خلال هذا يمكننا نوضح الاسترجاع من التعليق السردي للشخصيات وتعلقها بالماضي ويتمثل في قول (ضوينة سراح الغنم)، وحكايته لتيس الفدادية حيث يقول: (مرة تجده شيخآ حكيمآ ومرة صبي مراهقآ ومرة مقاتلآ ومدافعآ عن شرف العنز، تيس كان عطوفآ ويعرف كيف يستعيد محبته ووقاره)، هنا التيس له تشبيهات مختلفة منها فحولته التي حكي عنها ضوينا ومنها حضوره وهمته التي حكي عنها الشاعر الحاردلو في مسدار الصيد عندما وصف مكانته ودوره وسط قطيع الماعز أو الغزلان حيث قال فيه: (تيسهن جك مغرب وبالملاين حام جاهن وعافطنو وحيل سدوهن قام)، هنا التيسين لهما دور الشعور القوي والفقد للحنين سواء للمكان أو الكﻷ، ويمضى بنا العرض بذات لحظات استرجاعه) للسنابل عشق المناقير)، في حكاية أبكر بكري بكهام حيث يصل صوت سرده ويقول :" حينما سرق صوته لصوص هذه المدينة تركوا نصف روحه هناك للشمس سجينة)، فلحظات سرده عايشها في عمق البحر بإعتبار أن حاضره شده بقوة لذكريات متجزأة ناتجة من اهتزاز يقينه بحاضره، ويتقاطع هذا الاسترجاع مع معني آخر له شواهده في النص الديني وتدلى به  شخصية حسونة حسني عندما سردت: (رأى العصفور نجومآ تنبت من باطن الأرض)، وفي قوله تعالى: (والنجم إذا هوى)، والنجم المراد في النصين الديني ونص العرض المقصود به النبات الذي تطعن رؤوسه قشرة الأرض وينبت للظهور بلونه الأخضر ولعل هذا يقودنا لنبات العشر نفسه وطريقة ظهوره في شكل شجيرات مصغرة تنمو ثم تنمو إلى أن يكتمل نموءها ويستفاد منها في طرق العلاج، أما النجوم التي تتدلي من الأعلى فتختلط عليه السماء كما  توضحها حسونة تستخدم في ثقافة البدوء الرحل لتوضيح أماكن الجهات الجغرافية وتحديدآ حدد العرض أماكن الشخصيات و هي في عمق البحر، اضافة لذلك يستعين العرض بأغاني تراثية مثل أغنية (يابلومي) وتقديمها في شكل استعراض يعكس ثقافة منطقة لها مدلولاتها الحضارية ولها أيضآ نصيب وافر من الإشكاليات مما قاد العرض إلى تجسيده في ظل مشكل عام تواجهه أوضاع وطن بحاله، اذآ العرض بناءآ على استرجاع شخصياته لماضيها أسس عليه فكرة فقدانها لوطن وبحث عن مأوى يصير بمثابة تعويض لوطن آخر.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وليد الألفي.. رؤية في المسرح السياسي السوداني

  في عرضه "كرّاس حساب"، يتناول الكاتب و المخرج المسرحي   السوداني وليد الألفي   الانتفاضة الشعبية   التي اندلعت في بلاده في كانون الأول/ ديسمبر عام 2018، من خلال إضاءة جانب من تداعياتها متعلّق بمناقشة أزمة الحكم في ظلّ الحكومة الانتقالية ونموذج  العدالة الانتقالية   في السودان والنظر في الانتهاكات الجسيمة التي تعرّض إليها المتظاهرون. يلجأ العمل الذي تُعرض نسخته المحدّثة عند التاسعة وتسع دقائق من مساء اليوم الأحد في "مركز أم درمان الثقافي"، إلى الموسيقى الغنائية والرقص المعاصر المستوحيين من التراث السوداني، ويقدّم بالتعاون بين "تجمّع التشكيليين السودانيين"، و"منطقة صناعة العرض المسرحي" في ختام "معرض الثورة السودانية". وتستند "كرّاس حساب" إلى ورشة مسرحية أقيمت في ساحة الاعتصام أيّام الثورة، وكان الهدف منها استخدام المسرح كوسيط علاجي للناجين من العنف الذي وُوجهت به التظاهرات (من اعتقال وتعذيب وإساءة لفظية وتحرش جنسي) وكانت آخر بروفة قبل فضّ اعتصام قيادة الجيش بساعات. ثقافة آداب وفنون وليد الألفي.. رؤية في المسرح السياسي السوداني ...

مسرحية النسر يسترد اجنحته

 صحيفة مداميك الإلكترونية  أجنحة كثيرة يستردها نسر (وليد الألفي) الإيحائي: مغيرة حربيَّة يستخدم المخرج وليد الألفي، حيلاً ميثولجية صغيرة ولكن مركزة، وطقوسا تقليدية بسيطة ولكن فاعلة، لخدمة عرضه المسرحي المبهر “النسر يسترد أجنحته”، الذي عرض بمسرح قاعة الصداقة (الاثنين) 12 يوليو، فمن رمزية أصوات البحر والمياه التي تذكرك بفلك نوح ورحلة جلجامش في عبوره لبحر الأموات، إلى طقوس الحناء في السياق الشعبي والأغنيات والرقصات التي تحتفي تمجيداً وتوكيداً للحياة، يُركب الألفي مشاهد عرضه المسرحي الأخاذ من لوحات متتابعة لا تنفصل، ومتعاضدة، في الأوان نفسه، كأنها لحمة واحدة، لتبني حوارها الملحمي المسرود، عبر لغة الجسد، بتشكيلاتها البصرية والحركية ومن موتيفات الضوء والصمت والموسيقى، لتنفُضَ الموتَ عن شخوصه/تماثيله المحنطة والمعزولة في برزخِ المرسَم المُعتم؛ والتي بدورها ما إن تدبَّ الحياة في أبدانها حتى تشرع في إيقاظ مومياء عروس الميلاد التي لا يوقظها الا العزف على الناي، وما أن تصحو وتنهض حتى تمنح، بعودتها للحياة، الخلاص والعبور للجميع. يقول المخرج شكر الله خلف الله لـ (مداميك): “تأتي متعة العرض ...
من ذاكرة المنطقة الصنايعية (كايليك - أهل الكهف) - مارس 2008م