التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تناقض المكان وتضارب فضاءاته

في عرض طرمبة حكومة
ابو طالب محمد
صناعة عرض: وليد عمر الألفي
تمثيل : الطيب شعراوي / محمد أحمد الشاعر / عاصم الطيب/ سيزا سوركتي / الكندي الأمين/ أمنة أمين/ عبد الرحمن الشبلي تصميم الصورة المشهدية حاتم كوكو.
ماهية مصطلح تناقض:
  يعمد التناقض إلى حالة القضية المنطقية التي تعني دعوى ما خاصة، بالوضعيات العامة لموضوع ما، وتنفيها قضية أخرى، وفي هذه الحالة يقال لهاتين القضيتين إنَّهما في حالة تناقض أو هما متناقضتان، وإنَّ دعوى صدق واحدة من هاتين القضيتين يعني بالضرورة كذب القضية الأخرى.
يقرّر في مجال المنطق، أنَّ مبدأ عدم التناقض لكل دعوتيين تصفان في نفس الوقت. أنَّه من المحال بالنسبة لشيء ما أنْ يكون موجوداً ولا يكون موجوداً في نفس الوقت.
إنّ مبدأ عدم التناقض بمثابة قاعدة لبناء الحجج الصحيحة، حيث يؤدي مفهوم التناقض وظيفة هامة لتصوَّر معاني التضاربات الجدلية(1).
 تأسس عرض طرمبة حكومة على بينة مكان متناقضة جسدت عوالم الإنداية وما يثار فيها من موضوعات اجتماعية وسياسية وسردية ورياضية مما أدى إلى بث فضاءات فنية متضاربة مع بعضها بعضا.
أحتوى المكان على عمارة تقليدية مصحوبة بماديات ثفافية تتمثل في: (بنابر- كبنة- فانوس- برميل نفايات- برش وزهور، والآت موسيقية حديثة (عود، كمنجة) وجهاز راديو وشجرة- وراية حمراء وحبل مشر وأدوات لغسيل الملابس- طست- وجردل).
جزأ المكان استخدام الماديات الثقافية على حسب التوظيف الفني مثل الراية الحمراء((وهي وسيلة إعلامية تفيد أنَّ هذا المحل يرحب بالجميع))(2).
أحالنا المكان التقليدي إلى إنداية، وهي كما يوضحها الطيب محمد الطيب في دراسته الاجتماعية الموسومة بـ ((الإنداية)) يقول: ((هي مكان عام يؤمه طلاب اللذة والطرب، وحتى مطلع هذا القرن كانت مكاناً هاماً للأخبار التجارية والمصالح المتبادلة بين الأفراد والجماعات... وفيها يجد التجار وأصحاب الحاجات كل الأخبار الدقيقة التي تهمهم في معاشهم وحياتهم، وفوق هؤلاء يرتادها العمد والمشايخ وأصحاب الحرف- السرماطة والجزارين والجلادين- النساجين- الخياطين- الحدادين- النجارين والحمالين بكل تشكيلاتهم))(3).
عمد المخرج على بناء رؤية فنية مقتصداً الإنداية كمكان شعبي، لكن تناقض مستويات المكان جعلت رؤيته بين تجسيد شكلي وتجسيد يحمل موضوعات خاصة تتعلق بمرتاديه، من هنا تولد فعل التناقض المكاني.
بمعنى أنَّ الفضاء العام للعرض حمل توظيف دال أقرب إلى مدلول الأحياء الشعبية الدالة على فضاء الإنداية، وفي الآن نفسه تضاربت بنية المكان الفنية مما خلقت طرح موضوعات مرتبطة بعدد من القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية والرياضية، وهي مرتبطة بالشخوص المؤدية للفعل الأدائي.
تشخّص حكومة الدور الاجتماعي وهي صاحبة الإنداية والمسؤولة عن ما يثار داخل المكان، وفي العرف المتبع في تاريخ الأنادي تسمى ((شيخة)) ويستخرج التصريح أو الرخصة باسمها وهي التي تدفع الضريبة والتعويضات اللازمة للذين يقع عليهم ضرر داخل أندايتها))(4).
والملاحظ أنَّ حكومة تواجه بقرارات عضو اللجنة ((عطية)) بأغلاق الإنداية.
عطية: اسمعي يا حكومة ناس اللجنة ديل أنا أطيب واحد فيهم كانوا مجتمعين وماشين يجيبو البلدوزر عشان يهدو البيت، لكن أنا هديتهم وقلت أجي أتكلم معاك بالتي هي أحسن.
أثبت المكان وجود إنداية تديرها مرأة لكنها محاطة بقرارات سلطوية، ونفى الحوار وجود إنداية لأنّها لم يعد الاعتراف بها مما دعا السلطة بهدم وجودها.
هذا المعنيان (الإثبات والنفي) دلا على وجود مكان آخر أشبه بأمكنة صناعة الخمور التي تحاصرها السلطات في أحايين كثيرة في أحياء المدن.
قاد تناقض المكان إلى مستوى فني موجوداً وغير موجوداً في نفس الوقت بمعنى آخر وجود عمارة تقليدية تشير إلى إنداية وغير إنداية.
أما المجالات الاجتماعية والسياسية التي تناولها العرض، استعملت أيضاً مفاهيم التناقض بشكلٍ واضحٍ، والقصد منها التدقيق والتشخيص الرابط بين علاقات مؤديي العرض، وهو تناقض ارتبط ببروز الحياة الخاصة بالمشخصين وهو دمج بين شيئين: السرد والحوار الدرامي.
عبد السميع: بدأت العلاقة اتزوجتها كان مهرها أني انتقل من فريق الهوا لي فريق النسيم رغم أني الهداف الوحيد لفريق الهوا انتقلت للضد بقيت بدّخل أقوان في فريقي، شاعر بروحي خاين أو جاسوس.
لطيف وعطية: إحساس مؤلم.
نعيم: شنو يا لطيف ما فيها غنية.. نحبسها بيها ما تفك أنا زمان فكرت أغني والله صوتي كان جميل بشهادة أستاذة عائشة.. الخ.
عطية: وعطية في يوم من الأيام كان عضو في البرلمان.
عبد السميع: كان زمان.
عطية: وزير التربية والتعليم.
عبد السميع: سابقاً.
عطية: رئيس نقابة العمال سنة.
عبد السميع: زمان.
عطية: البلدوزر يهد بيت عشان تبني بيوت بشكل معافى.. أنا ما كنت داير المفاوضات تصل للنتيجة دي لكن أنتي الأطريتيني أعمل كدا للمرة الأخيرة ح توقعي ولا لا؟
حكومة: لا بالخط العريض يا عطية.. يلا من غير مطرود.
عطية: تطرديني الدنيا اتشقلبت.. ح تندمي يا حكومة.
ودمج هذا الاسلوب أدى إلى تكثيف العرض وجعله عرضأ متداخلاً في حواراته بين السردي والدرامي ومنها تولد نوع من التناقض ناتجاً عن فضاء المكان وشحنات بنية حواره، وعلى المستوى الآخر الذي تمثله (هبة) الطالبة الجامعية ينشأ تناقضاً آخراً نيتجة لكون بناء الشخصيات وسعيها الدائم في مأوي خاص يتبادلون فيه سيرهم وموضوعاتهم الآنية التي يتخللها الطرب والغناء والحكي بصيغة الغائب الحاضر والحاضر الغائب، من هنا تتولد شخصية هبة حاملة ثنائيات التناقض المتضاربة داخل فضاء المعمار التقليدي بطبعها كشخصية تظهر بملمح الحياة المدنية وترى أنَّ تحقيق أهدافها لا تتناسب مع أهداف الآخرين، ونشأ هذا من تناحر التناقضات الناتجة عن تضارب الأفعال الأدائية وتعارضها مع بعضها بعضاً داخل فضاء مسنوداً إلى بناء مكان حاملاً وجهيين متناقضين.
بناءاً عليه استغل العرض فضاء المعمار التقليدي إلى تسليط الأضواء على واقع جيلين متباينين؛ جيل استمسك بماضيه وحفل بسرد حكاياته ووقائعه الماضية وترنم بها ونظر للحاضر بمنظار بائس.
وجيل حديث نظر للحياة من زوايا مستقبلية رافضاً ما يثور حوله من إحباطات وإتكاءة على الماضي.
وكلاهما ضحية لتحوَّلات عامة معقدة، مما دعا إلى طرح خطابهم كفئة مهمشة تمثل الطبقة الوسطى والزج بها في عوالم النسيان والاقصاء والتهميش تلبية للنداءات المقصودة لغيابها.
إرتدى العرض مقولات عِدَّة مؤسسة على تناقض مكان متضارباً في فضاءاته بشكل عام مما استوجب تناول الإنداية مجازاً وفضاءها قصداً.


إحالات مرجعية:
1.   أندرو إدجار وبيتر سيد جويك، موسوعة النظرية الثقافي- المفاهيم والمصطلحات الأساسية، ترجمة: هناء الجوهري، المركز القومي للترجمة 2006م، ص 221.
2.    الطيب محمد الطيب، الإنداية ((دراسة اجتماعية فولكلورية)) دار عزة للنشر، 2004م، ص 1-2.
3.   نفسه، ص5.
4.   نفسه، ص9.






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من ذاكرة المنطقة الصنايعية (كايليك - أهل الكهف) - مارس 2008م

وليد الألفي.. رؤية في المسرح السياسي السوداني

  في عرضه "كرّاس حساب"، يتناول الكاتب و المخرج المسرحي   السوداني وليد الألفي   الانتفاضة الشعبية   التي اندلعت في بلاده في كانون الأول/ ديسمبر عام 2018، من خلال إضاءة جانب من تداعياتها متعلّق بمناقشة أزمة الحكم في ظلّ الحكومة الانتقالية ونموذج  العدالة الانتقالية   في السودان والنظر في الانتهاكات الجسيمة التي تعرّض إليها المتظاهرون. يلجأ العمل الذي تُعرض نسخته المحدّثة عند التاسعة وتسع دقائق من مساء اليوم الأحد في "مركز أم درمان الثقافي"، إلى الموسيقى الغنائية والرقص المعاصر المستوحيين من التراث السوداني، ويقدّم بالتعاون بين "تجمّع التشكيليين السودانيين"، و"منطقة صناعة العرض المسرحي" في ختام "معرض الثورة السودانية". وتستند "كرّاس حساب" إلى ورشة مسرحية أقيمت في ساحة الاعتصام أيّام الثورة، وكان الهدف منها استخدام المسرح كوسيط علاجي للناجين من العنف الذي وُوجهت به التظاهرات (من اعتقال وتعذيب وإساءة لفظية وتحرش جنسي) وكانت آخر بروفة قبل فضّ اعتصام قيادة الجيش بساعات. ثقافة آداب وفنون وليد الألفي.. رؤية في المسرح السياسي السوداني
رؤية مسرحية أهل الكهف   وليد عمر الألفى خريف   نيالا 2007   الأهداء.. للذي يتأمر مع نقارة اب قزة ، ضد أحزان تلك الأمكنة .. حينما يدنقر ويبتل ظله بعرق الراقصين .. الى روح الفنان الشعبي أبا حلو واليك حينما كنت تقف أمامها .. تتأملها،   تتغزل فيها.. تبتسم لك ، تمسك معصمها ، وتذهب بها الى بيت فى الحاج يوسف .. ترقصا طول الليل .. تحتضنا بعضكما .. تسترخى هى على سريرك لينتصب وعيك ، حينها تغزف أفكارا لتنجب هى مستورة ، عجلة جادين الترزي ، الحله القامت هسه ود الجردقو ورائعات كن قادمات لو لم تقادر تلك الغرفة وتقادرك تلك الخشبة وهى حزينة فى ثوب الحداد اليك أيها الفنان الذي لايشبه الا نفسه (مجدي النور) وليد عمر الألفى الأسطورة : يخبرنا القرآن الكريم بأن هنالك سلطان ظالم لايقهر وكان يعامل شعبه معاملة غير كريمة ، يقتل من يشاء يسجن من يشاء وينفى .. وكان هنالك شباب لم يستطيعوا تحمل هذا الظلم ، ففروا هاربين ليحتموا بكهف ، وكان معهم كلبهم فناموا جميعا ، وعندما أستيغظوا وجدوا أنفسهم فى زمان غير زمان السلطان الظالم .. يفرحون لأن السلطان الحالى حكيم وعادل . كما يخبرنا التاريخ