التخطي إلى المحتوى الرئيسي


مسرحية لبن العشر .. تحليق اللغة وانعتاق الأداء..!


شاذلي جعغر شقاق
    عشية الخميس الماضي 21/9 امتلأ مسرح الفنون الشعبية عن آخره بجمهور منطقة صناعة العرض المسرحي ،وهم يتابعون بأعين الدهشة زورق الهلاك الصغير المكتظ بالهاربين من جحيم الوطن إلى لظى الشتات على صهوات الأمواج المتﻻطمة تتخطفهم العواصف وينتاشهم البرد وتتربص بهم الحيتان في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج ،ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج أحدهم يده لم يكد يرها،كمهاجرين غير شرعيين يستجيرون بنار الهﻻك من رمضاء الموت!

   كانت تلك مسرحية (لبن العُشَر )التي كتبها وأخرجها الأستاذ وليد الألفي،بطولة الفنان القدير عبد الرحمن الشبلي ،رفقة الممثلين الرائعين الطاهر،أحمد،عبد العزيز ،مهيرة وسيزا.

    اللغة التي كتبت بها المسرحية لغة شاعرية تحلق بعيدا في سموات الرمز والايحاء المحملة بدﻻﻻت العمق الفلسغي ومنابت الجراح ودواعي تنكب الضياع وامتشاق الخطى دون هدى صوب المجاهيل والمهارب!فضﻻ عن انعتاق الأداء المسرحي ذي التلقائية والحرفية العالية التي تجاوزت كثيرا فزاعات أو خياﻻت مآتة (هنابيل)الرقيب الذاتية أو السلطوية؛الأمر الذي أسهم في ايصال الرسالة البصرية والسمعية دون ترك فجوات مخلة أو نقاط يستكملها خيال المتلقي!فأحد راكبي البحر يبرر هجرته بسبب صور حسناوات أرسلها له صديقه،وفي ذلك تناص مع بطل رواية (موسم الهجرة للشمال) (مصطفى سعيد)الذي قرر غزو الغرب جنسيا!يعزز زعمي هذا حديث بطل مسرحية (لبن العشر)عن تيس زريبة الهوامل ذي اللبلبة الصاخبة الذي  يعاشر كل أنثى ماعز تقع عليها عينه دون استثناء!تحقيقا لمقولة سائدة وإن لم يذكرها نص المسرحية(الفحل ما عواف)أو استبدلها بقوله (الشوال البشيل الدوم بشيل السمسم)! على غير (تيس الفدادية)المخمور بأكل(المشك)،الخامل الكسول!
   حسناً إذا كان هذا الوصف الحيواني الدقيق يمثل لغة الراعي؛فإن لغة المزارع أيضا تظهر على لسان المهاجر الآخر الذي يتحدث عن السنابل التي ينقرها الطير..وفي ذلك أيضا إشارة بطرف خفي -كما أظن -إلى أن نزاعاتنا الداخلية ستلفظنا جميعا نحن أطراف النزاع نحو هاويات الهﻻك!بحنيننا وأحﻻمنا وأنيننا وغناءنا الذي أحسن انتقاءه المبدع وليد الألفي فلوكلورا سودانيا أصيﻻ(الكرنقوحديثا، وبعض (رطانة)أضفت مﻻحة وخفة ظل،إﻻ أنه أدخل وصلتين مصريتين،مع احترامي لرؤيته ؛أرى لو أنه استبدلهما ب(دوبيت)سوداني -مثﻻ- بصوت الفنان الشبلي الفخيم؛لعزز أصالة العمل أكثر!
  مهما يكن من أمر فإن مسرحيةَ (لبن العشر) نصاً وأداءً ورؤىً إخراجيةً؛ باهرةٌ وماتعةٌ، زورقٌ يمخُر موجَ المُغايرة ونبذ اﻻستكانة.. يتطلذَع إلى غدٍ بهيجٍ تلوح فناراتُه بضوء الخلاص الوشيك من عتمة الأمواج،ﻻ بضوء (أب لمبة)أو (أب كباس) الذي تخادع به العفاريت المُدْلجين أو أهلَ السُّرى ،كما جاء على لسان بطل المسرحية عبد الرحمن الشبلي!!

ثقافي الأيام –اليوم الأحد 24/9/2017





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وليد الألفي.. رؤية في المسرح السياسي السوداني

  في عرضه "كرّاس حساب"، يتناول الكاتب و المخرج المسرحي   السوداني وليد الألفي   الانتفاضة الشعبية   التي اندلعت في بلاده في كانون الأول/ ديسمبر عام 2018، من خلال إضاءة جانب من تداعياتها متعلّق بمناقشة أزمة الحكم في ظلّ الحكومة الانتقالية ونموذج  العدالة الانتقالية   في السودان والنظر في الانتهاكات الجسيمة التي تعرّض إليها المتظاهرون. يلجأ العمل الذي تُعرض نسخته المحدّثة عند التاسعة وتسع دقائق من مساء اليوم الأحد في "مركز أم درمان الثقافي"، إلى الموسيقى الغنائية والرقص المعاصر المستوحيين من التراث السوداني، ويقدّم بالتعاون بين "تجمّع التشكيليين السودانيين"، و"منطقة صناعة العرض المسرحي" في ختام "معرض الثورة السودانية". وتستند "كرّاس حساب" إلى ورشة مسرحية أقيمت في ساحة الاعتصام أيّام الثورة، وكان الهدف منها استخدام المسرح كوسيط علاجي للناجين من العنف الذي وُوجهت به التظاهرات (من اعتقال وتعذيب وإساءة لفظية وتحرش جنسي) وكانت آخر بروفة قبل فضّ اعتصام قيادة الجيش بساعات. ثقافة آداب وفنون وليد الألفي.. رؤية في المسرح السياسي السوداني ...

مسرحية النسر يسترد اجنحته

 صحيفة مداميك الإلكترونية  أجنحة كثيرة يستردها نسر (وليد الألفي) الإيحائي: مغيرة حربيَّة يستخدم المخرج وليد الألفي، حيلاً ميثولجية صغيرة ولكن مركزة، وطقوسا تقليدية بسيطة ولكن فاعلة، لخدمة عرضه المسرحي المبهر “النسر يسترد أجنحته”، الذي عرض بمسرح قاعة الصداقة (الاثنين) 12 يوليو، فمن رمزية أصوات البحر والمياه التي تذكرك بفلك نوح ورحلة جلجامش في عبوره لبحر الأموات، إلى طقوس الحناء في السياق الشعبي والأغنيات والرقصات التي تحتفي تمجيداً وتوكيداً للحياة، يُركب الألفي مشاهد عرضه المسرحي الأخاذ من لوحات متتابعة لا تنفصل، ومتعاضدة، في الأوان نفسه، كأنها لحمة واحدة، لتبني حوارها الملحمي المسرود، عبر لغة الجسد، بتشكيلاتها البصرية والحركية ومن موتيفات الضوء والصمت والموسيقى، لتنفُضَ الموتَ عن شخوصه/تماثيله المحنطة والمعزولة في برزخِ المرسَم المُعتم؛ والتي بدورها ما إن تدبَّ الحياة في أبدانها حتى تشرع في إيقاظ مومياء عروس الميلاد التي لا يوقظها الا العزف على الناي، وما أن تصحو وتنهض حتى تمنح، بعودتها للحياة، الخلاص والعبور للجميع. يقول المخرج شكر الله خلف الله لـ (مداميك): “تأتي متعة العرض ...
من ذاكرة المنطقة الصنايعية (كايليك - أهل الكهف) - مارس 2008م